لمحة عامة عن الدورة
هذه الدورة في المستوى الثالث من مُسْتَوَيَاتِ علم النحو، تُتِيحُ لمن أتمَّ المستوى الأوَّلَ والثاني الاطِّلاعَ على الأبواب والقواعد والمسائل النحوية والصرفية وفروعهما والخلافات والأقوال ومذاهب العلماء ووجوه استدلالهم بصورةٍ أكثرَ عُمْقًا وإحاطة وتحقيقًا لتتكوَّنَ لدى الطالب مَلَكَةً ناضجةً تصَوْنِ اللسان عن الخطأ في القراءة، وتصون العقل عن الخطأ في الفهم، وتصون اللسان ثانية عن الخطأ في التعبير عن المعاني.
ولعل شرح ابن عقيل في هذا المستوى خير ما يحقق المطلوب؛ لأنه أخذ أهميته من ناحيتين:
الأولى: من مؤلِّفِهِ الذي كان بارعاً في علوم العربية حيث طَبَّقَتْ شهرتُه الآفاق مع ما كان عليه من الإخلاص والصدق ودماثة الخلق وما جمعه هذا الشرح من شتى المسائل والقواعد والمذاهب والأقوال ما دفع علماء العربية إلى أن يرشدوا طلابهم إلى قراءته والاكتفاء به عن غيره في مثل هذا المستوى وجعلوه ضِمْنَ مناهجِ التعليمِ في أكثر المعاهدِ التي تُعْنَى بالعلوم الإسلامية والعربية والمنتشرة في طول الأرض وعرضها وبعض الجامعات.
والثانية: من ناحية أنه شرح لألفية ابن مالك الذي نالت مصنفاته في علوم العربية من الحظوة عند الناس والإقبال عليها قراءة وإقراء وشرحاً وتعليقاً ما بلغ المدى
عن الكتاب
تَمَّ اعتمادُ كتاب شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك مُقَرَّرًا أساسيًّا لهذه الدورة، فهو كتابٌ مُهِمٌّ قدمه للمكتبة العربية العلَّامَةُ قاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل شرح رحمه الله في هذا الكتاب الأرجوزة التي سميت (الخلاصة) واشتهرت باسم الألفية للعلامة ابن مالك الذي نالت مصنفاته في علوم العربية من الحظوة عند الناس فأقبلوا عليها قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً وَشَرْحاً وَتَعْلِيقاً، وقد أدلى العلامة ابن عقيل بدلوه فاختار من بينها (الخلاصة) فشرحها شرحاً لا إطناب فيه لئلا يتحاشاه الدارسون، ولم يوجزه لدرجة أن يُغْفِلَ بعضَ الأبواب النحوية أو الصرفية أو الأقوال والمذاهب ولهجات العرب التي لابد منها في هذا المستوى، أو يتغاضى عن بعض القواعد وفرائد المسائل ما هو من الأهمية بمكان بل اتخذ بين ذلك سبيلاً .
أضاف إلى ذلك أنه لم يتعسف في نقد الناظم بحقٍّ وبغير حَقٍّ كما راق لبعضهم أن يفعل، كما أنه تحاشى أن ينحاز إليه بحيث يَقْبَلُ كلَّ ما يجئ به سواء وَافَقَ الصَّوابَ أو جَانَبَهُ، علاوةً على أنه - رحمه الله - كان بارعاً في علوم العربية طَبَّقَتْ شهرتُه الآفاقَ وشَرَّقَتِ الركبان بمؤلفاته وغَرَّبَتْ ما دفع علماء العربية إلى أن يُرشدوا طلابهم إلى قراءته والاكتفاءِ به عن أكثر شروح (الخلاصة) وجُعِلَ ضِمْنَ مناهجِ التعليمِ في أكثر المعاهدِ التي تُعْنَى بالعلوم الإسلامية والعربية، وحتى بعض الجامعات جعلته ضمن مقرراتها، وامتلأت المساجد بحلقات العلم التي تُدَرِّسُهُ
عن الكاتب
قبل أن أتكلم على ابن عقيل واضع الشرح على الألفية ينبغي أن أتحدث أولاً عن ابن مالك صاحب الألفية التي شرحها العلامة ابن عقيل فأقول ابن مالك اسمه محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، العلامة جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجَيَّانِيّ، نزيل دمشق، إمام النحاة وحافظ اللغة. قال الذهبي: ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة، وتوفي ثاني عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
مشايخه: سمع بدمشق من السخاوي والْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ وجماعةٍ، وأخذ العربية عن غير واحد، وجالسَ بحلبَ ابنَ عمرون وغيرَه، وتصدَّرَ بها لإقراء العربية، وصَرَفَ همتَّه إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق، وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعِلَلِهَا، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على حُوشِيِّهَا، وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحراً لا يُجارَى، وحَبْرًا لا يُبارَى. وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون فيها ويتعجبون: من أين يأتي بها؟ !وكان نَظْمُ الشعر سهلاً عليه، هذا مع ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة.) إهـ ومن أشهر تلاميذه: ابنه محمد بدر الدين شَرَحَ الألفيةَ، وبدرُ الدينِ بنُ جَمَاعَة قاضي القضاة في مصر، وأبو الحسنِ اليونيني المحدِّث المعروف، وابن النحاس النحوي الكبير، وأبو الثناء محمود الحلبي كاتب الإنشاء في مصر ودمشق.
منهج ابن مالك: لم يكن ينتمي إلى مدرسة نحوية بل كان يميل إلى المزج بين مذاهب النحاة دون ميل أو تحيز، وكان من منهجه في ألفيته بل في جميع مؤلفاته يختار من المذاهب والأقوال ويقوم بالترجيح بينها، وهو منهج التزمه في مؤلفاته كلها. كما توسَّع في الاستشهاد بالحديث النبوي، واتخذه أساسًا للتقعيد النحوي إلى جانب الاستشهاد بالقرآن الكريم بقراءاته المختلفة وأشعار العرب. أما تصانيفه: فكتب في النحو واللغة والعروض والقراءات والحديث، واستعمل النثر في التأليف، كما استخدم الشعر في بعض مؤلفاته، ومن أشهر كتبه في النحو: الكافية الشافية، وهي أرجوزة طويلة في قواعد النحو والصرف، وكتاب (تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) جمع فيه بإيجاز قواعد النحو مع الاستقصاء، وله في اللغة: (إيجاز التصريف في علم التصريف)، و (تحفة المودود في المقصور والممدود)، و (لامية الأفعال)، و (الاعتضاد في الظاء والضاد). وله في الحديث كتاب (شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح). وأخيراً (الخلاصة) التي عرفت باسم (الألفية) وهي أشهر مؤلفات ابن مالك، وقد كتب الله لها القبول والانتشار، وهي منظومة شعرية من بحر الرجز، تقع في نحو ألف بيت، وتتناول قواعد النحو والصرف ومسائلهما من خلال النظم بقصد تقريبهما، وتذليل مباحثهما.
شروح الألفية: لقيت ألفية ابن مالك عناية كبيرة من العلماء، فقام بعضهم بشرحها وإعراب أبياتها، أو وضع حواشٍ وتعليقات عليها، وقد زاد عدد شرَّاح الألفية على الأربعين، من بينهم ابن مالك نفسه، وابنه محمد بدر الدين، وابن هشام في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، والأشموني في (منهج السالك إلى ألفية ابن مالك) والسيوطي في (البهجة المرضية إلی ألفیة ابن مالك) وشرح ابن عقيل لقاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل، وهو يمتاز بالسهولة وحسن العرض، وقد لقي هذا الشرح قبولاً واسعًا، وبلغت العناية بأبيات الألفية أن قام بعض العلماء بإعرابها مثلما فعل الإمام (خالد الأزهري) في كتابه (تمرين الطلاب في صناعة الإعراب)، كما قام بعض العلماء بشرح شواهد شروح الألفية، مثلما فعل (بدر الدين العيني) في كتابه (المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية) والآن أبدأ بترجمة ابن عقيل.
ابن عقيل، لَقَبُهُ: بهاءُ الدين، وكنيته: أبو محمد، واسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الحلبي نزيل القاهرة، الشافعي القرشي، الهاشمي، من نسل عقيل بن أبي طالب من أئمة النحاة قال أبو حيان: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل. ولد سنة (700هـ) بالقاهرة، وتوفي بها سنة (769هـ)، وكان قوي النفس، يعظمه أرباب الدولة ويخضعون له وكان يتأنق في ملبسه ومأكله ومسكنه، وكان من فرط سخائه لا يُبقي على شيء من ماله ولا عجب لذلك أن يموت مديوناً. شيوخه: منهم أبو حيان التوحيدي، لازمه اثنتي عشرة سنة يأخذ عنه النحو، وأخذ الحديث والفقه عن الزين بن الكنتاني وغيره، وأخذ الأصول والفقه عن علاء الدين القونوي ولازمه، وقرأ القراءات على التَّقِيِّ الصَّائِغِ.
مؤلفاته: لابن عقيل مؤلفات في النحو والتفسير والفقه، منها: (التعليق الوجيز على الكتاب العزيز، والجامع النفيس في فقه الشافعية، والمساعد في شرح التسهيل، وتيسير الاستعداد لرتبة الاجتهاد، وأشهرها على الإطلاق الشرح الذي وضعه ابن عقيل على ألفية ابن مالك، وهو الذي ظهرت فيه عبقريته العلمية، وقد ذهب فيه مذهب المفسّر الذي يُفتق الألفاظ والعبارات عن معاني وأبعاد لا تدركها ولا تلتقطها إلا الأبصار الثاقبة، والعقول التي تمرّست بالأصول النحوية تَمَرُّسَ اقتدار واستيعاب، وتقصّت دقائقها تقصيَ علمٍ واسعٍ، ونظرٍ شاملٍ جامعٍ، يمتاز هذا الشرح بالسهولة والوضوح، الحواشي على شرح ابن عقيل: اهتم العلماء بشرح ابن عقيل رحمه الله فكتبوا عليه الحواشي الكثيرة، منها: (حاشية ابن الميِّت البُدَيْري المسماة (إرشاد النبيل إلى ألفية ابن مالك وشرحها لابن عقيل)، وحاشية عطية الأجهوري، وحاشية السجاعي. وحاشية الخضري. نظر ابنُ عقيل في ألفية ابن مالك فوجدها مرصوصة شديدة الإيجاز إلى حدّ الغموض أحيانًا، فاستخرج منها الأصول والفروع، وتعقب النحاةَ في آرائهم ومذاهبهم، والمدارسَ النحوية في تشعب تياراتها لا يرتضى الرأي إلا إذا اقتنع بصحته دون أدنى شك، ولا يتبنى مذهبًا إلا إذا ارتضاه، فلا هو بصري، و لا هو كوفي، و لا هو منقاد انقيادًا أعمى لسيبويه أو الكسائي؛ إنّما هو عَلَّامَةٌ جِهْبِذٌ يتقصى الحقائق، ونحوي لا يُشَقُّ له غبار، يُلْقِي على ما يقول وما يُحَلِّلُ ظلالَ عبقريته الفَذَّة، فهو بحقٍّ أستاذ كبير، واضح البيان، دقيق التعبير، يجول في كل مادة جولان العالم النحرير، في غير إطناب مُمِلٍّ، ولا إيجاز مُخِلٍّ، يسعى وراء الحقيقة لا ينشد غيرها، ولا يبتغي سواها، ويقرع الحجة بالحجة
لمن هذه الدورة
تستهدف هذه الدورةُ كُلَّ من أراد صون نفسه عن الخطأ في القراءة، وعقله عن الخطأ في الفهم، ولسانه عن الخطأ في التعبير عما في النفس من المعاني عند التحدث وإلقاء الدروس - وطلابَ وطالباتِ المراحل الجامعية الأولى وكذا كل من يروم أن يخطب على المنابر بشرط أن يكون قد درس شرح قطر الندى وبل الصدى، وما دونه كالدروس النحوية لحفني ناصيف وزملائه، وشرح متن الآجرومية أو ما يساويها من كتب النحو.
