يُصنّف علم التربويات في الرقائق والأخلاق، وهو من العلوم التي تميّزت بها الشريعة الإسلاميّة، وإذا نظرنا إلى أجيال الناس فليس جيلٌ منها كجيل الصحابة رضي الله عنهم؛ وذلك لأنّ مربيهم هو النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ونحن بعد أربعة عشر قرنًا من الزمان نرى هذا الإسلام العظيم في كلّ أنحاء الدنيا؛ نرى نهضةً في الاتجاهات الإيمانية والتربويّة عند المسلمين، ونرى تقدّما علميًّا عند غيرهم، ولكنها بحاجة إلى أن تتلاقى لكي تسير ويدفع بعضها بعضًا لتصل إلى التكامل الحضاري.
- معلم: Anas Almusa
ممّا كتب في التربية رسالة أيها الولد للإمام الغزاليّ، التي أجاب بها رحمه الله بعض طلابه عن سؤال سائل يسترشد ويستوضح. هذه الرسالة إذا أردنا أن ندرجها في بند من البنود فنجد أنّها من أحكام الفقه، ونجد أنها من أحكام فقه القلوب، وهي من أحكام التوحيد، لأنّ من معاني التوحيد أن تخلص لله وحده، وهي في لبّ علم الأخلاق كذلك.
ولد الإمام الغزالي سنة 450 للهجرة، في مدينة طوس، كان أبوه من الصالحين، وكان أبوه يرجو أن يكون أولاده من العلماء، فأوصى قبل وفاته رجلا صالحا بولديه وأعطاه كلّ ماله نفقةً لهما. وعندما انتهت النفقة نصحهما الرجل الصالح بأن يذهبا إلى الكتاتيب. فذهب الإمام الغزاليّ وتعلّم ونضج، وأخذ العلم في بلده. ثمّ قرّر أن يرحل لطلب العلم فذهب إلى نيسابور، وبعدها رحل إلى بغداد. وقابل فيها نظام الملك، الذي أحبّ الغزالي، واشتهر فيها، وناظر العلماء والفقهاء، وكان يستشيره الوزراء، وبعضهم درَس عنده في المدرسة التي أقامها نظام الملك. ثمّ عاش الغزاليّ أزمة روحيّة، فشعر بأنّ إخلاصه القديم بدأ يقلّ، فقرّر أن يعتزل كلّ هذا لأنّه ظنّه لغير الله، فرجع ليصحّح نيّته وذهب إلى دمشق ثم إلى بيت المقدس، وكتب إحياء علوم الدين في هذه الفترة. وبعد الشام عاد إلى جرجان، ثم إلى طوس، ودرس في المدرسة النظامية، وتوفي هناك رحمه الله. سنة 505هـ.
هذه الرسالة التي كتبها الإمام الغزالي تبدأ بخطاب "أيها الولد". وهذا من آداب الشيخ أن ينزل تلميذه منزلة ولده، وبالعكس أن ينزل الطالب الشيخ منزلة والده، وهو الدرس الأول الذي نستفيده من هذه الرسالة، وثمة دروس في معاملات الظاهر والباطن في كل سطر من سطور الرسالة